الخميس، ١٢ يونيو ٢٠٠٨

مقاهي البورصة في القاهرة .. ساحة لبيع الأخبار وأحلام الثراء السريع

مقاهي البورصة في القاهرة .. ساحة لبيع الأخبار وأحلام الثراء السريع

يرتادها بسطاء وأثرياء وعاطلون ومتلصصون

جريدة الشرق الأوسط
12/6/2008

القاهرة: محمد فتحي يونس
على غرار المثل الشعبي الشهير «من دقنه وافتلّه» يتفنن المصريون في تصنيف مقاهيهم، فثمة مقاه للطباخين، والمثقفين، والآلاتية، والكومبارس، والموظفين، والأقزام.. وغيرها. ويعكس كل تصنيف الطبقة، أو الفئة الغالبة التي ترتاده، كما يلعب المكان دورا مهما في بلورة الاسم وإكسابه نوعا من المصداقية. فمثلا مقاهي «الطباخين» تتركز أغلبها في منطقة «عابدين» بجوار القصر الملكي والذي اشتهر في مراحل تاريخية بكونه يضم نخبة من أمهر الطباخين المصريين والأجانب. وكذلك مقاهي «الآلاتية» التي تتواجد بشكل أساسي في شارع محمد علي، المشهور تاريخيا بشارع الفنانين
و«العوالم» الذين يحيون الأفراح والأعياد والمناسبات الاجتماعية.
ورغم أن المقهى لدى المصريين يكاد يكون تجسيدا لكل جوانب الحياة، بل المكان المفضل للسمر، والمزاح وأحيانا النميمة، إلا أن الكثير منها لا ينفلت عن فلك الاسم الذي يدور فيه. ومن أشهر هذه المقاهي مقاهي البورصة بالقاهرة، فهي بمثابة «بورصة مصغرة»، أو بمعنى آخر «ماكيت بورصة»، فعلى كراسيها يتم يوميا تبادل المعلومات، وعقد الصفقات بين المستثمرين في البورصة وبين السماسرة. والطريف أن من يقومون بالخدمة في هذه المقاهي تشربوا صنعة وطبيعة مرتاديها. فالنادل لم يعد مجرد شخص يقوم بوظيفة محددة، وهي تلبية طلبات الزبائن، وإنما تحول إلى بنك معلوماتي، ومؤشر مهم لحركة الأسهم المتوقع رواجها وارتفاعها. ولا ينحصر هذا الدور في مجرد جذب الزبائن إلى مقهاه، وإنما ـ أساساً ـ للحصول على مقابل عن كل معلومة يدلي بها، وهو ثمن غير بخس فى أكثر الأحيان. وتحيط مقاهي البورصة بمبنى البورصة الشهير في «وسط البلد» بالعاصمة القاهرة، ومن أشهرها مقهى صغير اسمه «المروة». لكن زبائنه أطلقوا عليه «المنور» كونه يشكل مسقط هواء بين بنايتين عتيقتين، وعلى بعد أمتار من مبنى البورصة.. ورغم صغر مساحته يمثل مقهى «المنور» عالما فريدا، حيث يرتاده بسطاء، وأثرياء، وعاطلون، ومتلصصون .. كل له غايته ووظيفته، التي يحيد عنها أحيانا إذا لاحت في الأفق مكاسب مفاجئة. وهو ما يعكس الكثير من ملامح العشوائية التي تسيطر على فهم المصريين للاستثمار في البورصة. وهو ما يصفه أحمد أبو طايل، سمسار بشركة حلوان لتداول الأوراق
المالية بقوله: «90% ممن يرتادون المقهى لهم علاقة بمجتمع المال سواء سماسرة أو مستثمرون، أو عملاء صغار ، أو صحافيون يتشممون الأخبار». ويشير أبو طايل إلى دوافع عديدة لارتياد المقهى من وجهة نظره «فالسماسرة الجدد يستعرضون مهاراتهم أحيانا أمام صغار المستثمرين فيجذبونهم كزبائن، ومن حققوا صعودا ونجاحا في مجتمع تداول الأسهم يرتادون المقهى كنوع من التعود والعرفان بالجميل لأن المكان شهد خطوات صعودهم الأولى». ولا ينكر أبو طايل هذا العرفان، مضيفا «أنا شخصيا أرتاد المقهى لأشعر بنوع من التقدير الذاتي لأنني أصبحت عضوا في مجتمع كنت أحلم بالانضمام إليه». وكشف عن مفاجأة بتأكيده أن سعاة المقهى يتكسبون من ذلك «لأن صلاتهم برؤساء الشركات وأصحاب المناصب العليا فيها تمكنهم من معرفة الأسهم المحتمل تحقيقها لمكاسب فينقلون تلك الأخبار لصغار المستثمرين بمقابل مجز». كلام أبو طايل سلط الضوء على منطق فوضوي تحكم كثيرا في تفكير المستثمرين في البورصة، خاصة إذا ما اعتمدوا على سعاة أو إشاعات تلوكها الألسن وليس تحليلا ماليا يخضع لشروط العلم، ومن هنا يحلو للبعض أن يجرد هؤلاء من صفة المستثمر ين ويسميهم «الفوضويين». لكن مغامرة الفوضوي في البورصة قد تكون عواقبها مؤلمة وهو ما جربه رواد مقهى «المنور» فيما عرف بأحداث الثلاثاء الأسود عام 2005 والتي وصلت خسائرها إلى عشرة مليارات جنيه (1.86 مليار دولار). وفي ركنه المفضل بالمقهى يسترجع حسن علي، مستثمر صغير في البورصة ذكريات الثلاثاء المؤلمة قائلا: «ظللت في منزلي لمدة يومين من هول الصدمة، بعد أن خسرت نصف مدخراتي البسيطة ثم ذهبت لمقهى «المنور» لاستطلاع الأمور، وهناك وجدت نفسي داخل بحر من السخرية يسبح فيه الجميع ويتبادلون النكات على أحوالهم». ويستطرد «المصريون دائما هكذا، يحولون كل كارثة إلى نكتة». وعلى مقربة
يلتقط الخيط شريف الشربيني، مدير أحد فروع المجموعة المصرية لتداول الأوراق المالية، مقللا من أهمية معلومات المقهى ويقول «مقهى البورصة أصبح سوقا للشائعات، وللأسف بين زبائنه أعضاء في منتديات عن البورصة وهم في الوقت نفسه مروجون لأخبار كاذبة هدفها التأثير على حركة الأسهم وخداع السذج».

ليست هناك تعليقات:


CNNArabic.com - Business