الجمعة، ٣ أكتوبر ٢٠٠٨

الاستقرار الأمني والسياسي يؤهل لبنان ليأخذ حصته من الرساميل الجديدة والقطاع المصرفي قادر على استيعاب المزيد من الاستثمارات الخارجية

توقع عودة الأموال العربية الى بلدانها أهم مؤشر إيجابي لانعكاس الأزمة الأميركية على المنطقة
الاستقرار الأمني والسياسي يؤهل لبنان ليأخذ حصته من الرساميل الجديدة والقطاع المصرفي قادر على استيعاب المزيد من الاستثمارات الخارجية

جريدة المستقبل اللبنانية
الجمعة 3 تشرين الأول 2008
العدد 3094 - المستقبل الإقتصادي - صفحة 12

عدنان كريمة
كل أزمة مالية عالمية، تترك تداعيات سلبية على مختلف الأسواق والبورصات بما فيها اسواق منطقة الشرق الأوسط وخصوصا دول مجلس التعاون الخليجي التي تملك (حكومات ورعايا) استثمارات بأوراق مالية متنوعة ومتعددة، وسيظهر حجم خسائر هذه الاستثمارات جراء الأزمة المالية الحالية في الاسواق الاميركية بعد انحساره والتخلي عن محافظ استثمارها معينة او اعلان افلاس المؤسسات المالية صاحبة الاصدارات التي تعرضت للتدهور.وبكل ازمة مالية عالمية تبرز مؤشرات ايجابية تحت مقولة "مصائب قوم عند قوم فوائد"، واهم هذه المؤشرات توقع عودة استثمارات مالية معينة الى الاسواق العربية تجنباً من الخسائر المتوقعة في الاسواق العالمية، وحماية لهذه الاستثمارات، وهذا ما اكده رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزف طربيه الذي توقع حصول تغييرات جدية في التوظيفات والاستثمارات العربية الخارجية، بحيث يعود بعضها الى المنطقة العربية، ما يحتم على الحكومات تسريع جهودها وخطواتها لتحسين مناخات الاستثمار في البلدان العربية وزيادة قدرة الاسواق قانونياً وعملانيا على استيعاب استثمارات جديدة واطلاق خطط تنموية ضرورية وملحة في بعض البلدان. مع اتاحة الفرص المناسبة لمشاركة القطاع الخاص والرساميل العربية العربية، والتوقف عن المستثمرين افراداً ومؤسسات على خلفية توجيه توظيفاتهم الى الخارج، لان الاستثمار يبحث دائماً عن الفرص المجدية لكنه يشترط اساسا المناخ الملائم،و وهذا يتطلب بيئة قانونية وتشريعية وعملية، فضلا عن اتخاذ اجراءات جدية لمكافحة الفساد واستغلال السلطة والبيروقراطية.الاستثمار في لبنانوبما ان لبنان يتمتع بمناخ استثمار جيد وجاذب للمستثمرين، فان التوقعات تشير الى انه سيحصل على حصة مقبولة من الاستثمارات العربية العائدة، خصوصاً في حال تمكن من توفير الاستقرار الأمني والسياسي في المرحلة المقبلة، ويبرز في هذا المجال قدرة القطاع المصرفي الذي سجل نمواً كبيراً في الفترة الأخيرة، على استيعاب المزيد من الاستثمارات العربية، والتي تتجه الى قناتين رئيسيتين هما: العقار والسياحة، والأسواق المالية والمصرفية، مع ان حجم القطاع المصرفي اللبناني اصبح يقارب المئة مليار دولار، وباتت موجودات المصارف تشكل 3.6 اضعاف اجمالي الناتج المحلي في لبنان.وفي هذا المجال يرى امين عام جمعية المصارف الدكتور مكرم صادر انه على الرغم من الأوضاع الاقتصادية والسياسية الضاغطة جدا باختلالات ماكرو ـ اقتصادية قل نظيرها في مجموعة الدول الاقليمية التي ينتمي اليها لبنان، او حتى قل نظيرها في مجموعة الاقتصادات الناشئة في اوروبا وآسيا، تشق المصارف اللبنانية طريقها الى موقع وواقع جديدين في المنطقة بالرغم من مواطن الضعف والسلبيات التي يواجهها.لقد بات التصنيف السيادي للبنان المتدني جداً عن درجة الاستثمار(BBB) معلوماً من المستثمرين، بل ومحسوماً من الاسواق وهذا التصنيف ينسحب على كل الأدوات والمؤسسات. ومنها المصارف. طبعاً يرتكز على معطيات موضوعية، وفي مقدمها الاستقرار الماكرو ـ اقتصادي المعبر عنه، من جهة اولى، بعجز المالية العامة للدول وكيفية تمويله، ومن جهة ثانية، بعجز المدفوعات الخارجية الجارية وكيفية تغطيته.ويسجل هذان المؤشران في لبنان قياسا على الناتج المحلي الاجمالي نسبا مرتفعة جدا فاقت في العام 2007 على سبيل المثال 13 لعجز المالية العامة و11 للعجز الخارجي، بينما هما للفترة ذاتها افضل بكثير لدى دول اخرى في المنطقة، هي تركيا: 7 و5.2 ومصر: 7 للعجز في المالية وفائض 1.4 لميزانها التجاري وإيران التي سجلت عجزاً في ماليتها بنسبة 9.3 مع فائض في مدفوعاتها قدره 7.7 وعليه، حظيت هذه الدول بدرجات تقويم من مؤسسة ستاندارد اند بوروز ذاتها بلغت تباعا BB لتركيا+BB لمصر و+B لايران. وتفسر مخاطر الدولة، المعبر عنها بدرجة التصنيف، الفوارق في اكلاف التمويل. وتبلغ حاليا فوارق المردود بين سندات اليوروبوندز للدولة اللبنانية (8.25) وما يقابلها من اوراق الحكومة الاميركية لخمس سنوات (2.85%) ما يزيد على 540 نقطة اساس. كما تبلغ هذه الفوارق 360 نقطة اساس بين سندات اليوروبوندز اللبنانية (2.85%) وتلك العائدة الى الدول الناشئة (4.65). وتفسر مخاطر لبنان السيادية الى حد كبير الكلفة الاضافية التي تدفعها المصارف على الودائع بالعملات الاجنبية لديها. والبالغة في المتوسط 4.20 للدولار، اي بفارق مع معدلات الليبور يقارب 150 نقطة اساس. ثم ان السيولة الوفيرة في المنطقة واستفادة لبنان من التدفقات المالية الناتجة عنها إضافة الى الأزمة المالية العالمية التي طرأت، تحول كلها دون ارتفاع هوامش الفوائد على العملات الاجنبية في سوق بيروت الى مستويات اعلى، ان معالجة الاختلالات الماكرو ـ اقتصادية. اي العجزين في المالية العامة والمدفوعات الخارجية الجارية، لا تستقيم فقط بالاجراءات والهندسات المالية والنقدية التي تتشارك في تأمينها السلطات النقدية وادارات المصارف. بل تتطلب سياسات اقتصادية ومالية طويلة الاجل تندرج السياسة النقدية والمصرفية في اطارها. فالعوامل الظرفية الايجابية، حتى لو تكررت وباركها صندوق النقد الدولي، لا تشكل بديلاً عن الاصلاحات الهيكلية المطلوبة.ثقة... وتحدياتطرح الدكتور صادر أربع قضايا تحمل تحديات للقطاع المصرفي اللبناني، وتشكل مناسبة لإعادة التأكيد على كفاءة وفعالية الأنظمة المعتمدة في لبنان، وهي: أولاً: التوسع الاقليمي: آفاق وتحديات.كتبنا بتوسع سابقاً حول أسباب هذا الانتشار الاقليمي لمصارفنا ومتطلباته المهنية والتنظيمية والبشرية وحول نتائجه على حجم المصارف المعنية وربحيتها. وسنحاول اليوم الاجابة عن تساؤلين يظهران على السطح باستمرار. يطاول التساؤل الأول استعمال الودائع اللبنانية في الأسواق التي تنتشر فيها مصارفنا ونقول ببساطة ان ودائع لبنان توظف في لبنان مثلما ان ودائع سورية ومصر والأردن توظف في أسواق هذه الدول وتحت رقابة سلطاتها النقدية والرقابية. أما القسم من مواردنا (ودائعنا...) الموظف في الخارج، فهو إما لتمويل عمليات خارجية للبنانيين المقيمين في لبنان، وإما لتمويل اللبنانيين العاملين في الأسواق الخارجية، وإما أخيراً ـ وهذا هو الجزء الأكبر ـ لتوظيفاتنا الخارجية على شكل حسابات لدى المصارف الأجنبية المراسلة، وتستعمل هذه الحسابات في صورة رئيسية لتمويل تبادلات لبنان مع سائر دول العالم، ومنها الصادرات والواردات من السلع والخدمات والتحاويل والاستثمارات الخارجية وحركة الرساميل. وتفوق التدفقات النقدية المرتبطة أو الناتجة عن هذا التبادل مجتمعة الناتج المحلي الاجمالي للبنان... أما التساؤل الثاني على صعيد التوسع المصرفي اللبناني في الأسواق الاقليمية، فيطاول رساميل المصارف وهوية مالكيها. وبرز هذا التساؤل بوجه خاص مع الحديث عن عملية اندماج بنك عوده ـ أ.ف.ج. هيرمس.لقد آن الأوان لكي يدرك اللبنانيون أولاً أن التوسع الخارجي يحتاج الى رساميل كبيرة. وأن هذه الرساميل ستأتي حكماً من مجتمع الأعمال العربي بالدرجة الأولى، وهذا طبيعي؛ وكي نعرف ثانياً ان ودائع وموارد مصارفنا في لبنان ستظل كما بينا أعلاه في لبنان وأن سيطرة لبنان عليها ستظل قائمة. وأن رقابة مصرف لبنان ولجنة الرقابة ستظل بدورها قائمة وساهرة مع كل الضوابط المعمول بها لبنانياً والمتعارف عليها مصرفياً في العالم. وأخيراً ان المصرف، أي مصرف، لا يعتد فقط بأمواله الخاصة بل كذلك بإدارته وكوادره ونظم عمله والاطار القانوني والتشريعي الذي يعمل من ضمنه وهذه كلها لبنانية في الحالة التي نحن بصددها.ثانياً: أزمة الرهون العقارية ومضاعفاتها لبنانيا:ظلت المصارف اللبنانية بمنأى عن هذه الأزمة العاتية بالمقاييس العالمية. والتي ما زالت تداعياتها تنجلي تدريجياً مع انعكاسات خطيرة على كبرى المؤسسات المالية العالمية وعلى أجهزة الرقابة الأكثر عراقة. ويكمن سر بقاء مصارفنا بعيدة عن هذه الأزمة في ثلاثة عوامل هي: بداية دولرة الاقتصاد وما تستوجبه من تكوين سيولة عالية بالعملات الأجنبية لدى المصارف في فترات انعدام الاستقرار ـ وما أكثرها في تاريخنا الحديث ـ تقوم مقام المقرض بالمقام الأخير. أي البنك المركزي و/أو الخزينة. هذه الحاجة الدائمة والكبيرة الى السيولة بالعملات الأجنبية هي التي تحدد دوماً ادارة المخاطر من جانبي المعادلة. أي ادارات المصارف والسلطات النقدية والرقابية. ويتمثل ثانيها بخصوصيات السوق المصرفية اللبنانية، ومنها ذهنية اللبنانيين المحافظة بطبيعتها وغير المغامرة في التوظيفات ذات المخاطر العالية، فاللبنانيون، مصارف ومجتمع أعمال، داخلياً وفي الأسواق العالمية، يوظفون في الأسواق والأدوات المباشرة وليس المشتقة، ويوظفون في الأدوات البسيطة ـ ودائع، أسهم، سندات خاصة، سندات حكومية وليس في المنتجات المركبة، وتتركز معظم مدخراتهم في توظيفات قصيرة الأجل، وإذا تخطوها فالى العقارات، وأما المجموعة الثالثة من الأسباب، فتعود الى شبه الاحتكار الذي فرضه النادي الضيق للمصارف العالمية على هذا النوع من البنى والعمليات المالية ذات التعقيد العالي، فحصدت ثماره في زمن الحصاد. وها هي تتحمل خسائره وقد انكشفت مخاطره وهشاشته. طبعاً، لقد ساعدت القوانين والتشريعات على عدم تورط مصارفنا. كما لم تشجع الأخيرة زبائنها على هكذا توظيفات. وتقتضي الدقة الاشارة الى أن التعميم الأساسي رقم 62 يسمح بالتوظيف في مثل هذه الأدوات ما دامت بدرجة تصنيف وفي دول مصنفة فوق درجة الاستثمار BBB، والأدوات والأسواق التي تتشكل منها قروض الرهن العقاري كانت قبل انهيارها ذات تصنيف جيد بفضل تغليفها وتوليفها الذكي جداً من قبل بيوتات الخبرة التي أصدرتها.يبقى ان نستخلص أمثولات من هذه الأزمة للمستقبل. ومنها الفهم الجيد للمخاطر الحقيقية للأدوات المالية، ومنها أيضاً مراقبة وضبط المخاطر خارج الميزانيات ومدى استمرارها في مسؤولية المصارف غير المباشرة، مهما تعددت الصيغ القانونية الوسيطة، ومنها أخيراً ضرورة الفصل ما أمكن بين الصيرفة التجارية والصيرفة الاستثمارية.ثالثاً : الاتحاد من أجل المتوسط: أي دور للمصارف اللبنانية؟على الرغم من كل التعقيدات السياسية للأزمات والأوضاع السائدة في منطقة الشرق الأوسط وعلى الرغم من المعوقات الاقتصادية المتمثلة في مستويات النمو والدخل والعدالة الاجتماعية، فإن المقاربة الجديدة للعلاقة بين أوروبا ودول جنوب المتوسط تتمحور حول مجموعات محددة ومحدودة من المشاريع. هي: اقامة شبكة طرق متوسطية، ومعالجة تلوث البحر، والطاقة الشمسية البديلة، وقد أضيف اليها مؤخراً التعليم الجامعي والبحوث العلمية، وفي اعتقادنا ان المقاربة بالمشاريع تفتح أمام مصارفنا آفاق عمل جديدة، وذلك لمجموعة من الاسباب، من جهة أولى، ستكون ملفات المشاريع معدة اعداداً جيداً تقنياً وادارياً وفي جدواها الاقتصادية وفي حاجاتها التمويلية المتوقعة، اي ستكون قابلة لانخراط المصارف من ضفتي المتوسط في تمويلها. ومصارفا من الأكفأ في الضفة الجنوبية للمتوسط. ومن جهة ثانية، ستشارك في عملية التمويل جهات أوروبية ودولية ـ البنك الأوروبي للاستثمار ـ البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية صناديق التنمية العربية، صندوق اوبيك، وكالات التنمية الفرنسية وغيرها ـ وهذه المؤسسات تعرف مصارفنا جيداً، وقد عملت معها لسنوات طويلة وبمبالغ كبيرة واعتادت تقييمها، وتالياً سيكون سهلاً عليها التعامل مع ادارتنا استناداً الى تجارب سابقة عريقة وناجحة. ولمصارفنا أخيراً، مصلحة أكيدة في الانخراط في هذه المشاريع المتمحورة حول المواصلات والبيئة والتعليم، اذ تشكل هذه المجالات لاقتصادنا مصالح حيوية جداً يصعب لنا البقاء بمنأى عنها.* رابعاً: على هامش قضية نيويورك: فاعلية الانظمة المتعددة في لبنان.اننا، في الدرجة الأولى، امام مسألة قانونية قضائية وسيتم التعامل معها على هذا الاساس مع ثقة بالنظام القضائي في الولايات المتحدة الأميركية ويهمنا ان نؤكد في هذه المناسبة انه على المستوى المصرفي المهني، بات نظام لبنان في مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب (AML/FT) يتمتع بمصداقية واحترام لدى المراكز والأوساط المالية الدولية المتخصصة والمعنية. فلقد جهدت مصارفنا لأكثر من عشرسنوات خلت، أي منذ وضعت الجمعية موضع التنفيذ اتفاقية مكافحة تبييض الاموال عام 1997 وحتى تاريخه مروراً بالقانون 318/ 2001 وبانشاء لجنة التحقيق الخاصة والتعاميم ورفع لبنان عن لائحة مجموعة "غافي" للدول غير المتعاونة، جهدت في تطوير الانظمة والاجراءات والتقنيات الداخلية التي ارست قواعد متينة لمراقبة العمليات والتعرف على العملاء، والتصريح عنها والتعاون مع المصارف المراسلة ضمن المعايير التي تتطلبها. ومنها المصارف الأميركية المراسلة. وجهدت مصارفنا كذلك في تأهيل وتدريب موظفيها في الفروع والادارات العامة وفي تعميم الوعي المصرفي والثقافة على العاملين والمتعاملين معها. كما ان القطاع المصرفي والمالي في لبنان طور مع الجهات الدولية المقابلة والمعنية افضل علاقات التعاون من خلال لجنة التحقيق الخاصة العضو في مجموعة Egmont والعضو الكامل بل المؤسس للMENATAFT وتجربة السنوات السبع الماضية 2001 ـ 2008 تشهد على مصداقية وفعالية تعامل لبنان مع المجتمع الدولي في هذا الميدان.هذه القضايا الاربع المتعلقة بالقطاع المصرفي والتي برزت في هذه الفترة الأخيرة، ويتم التعامل معها كما جرت العادة بمنتهى المهنية والشفافية، فليس لدى المصارف ما تخبئه واصحاب المصلحة الحقيقية. من زبائن دائنين ومدينين، ومن مساهمين وموظفين، المقيم منهم وغير المقيم، اللبناني منهم والعربي قد محضوا دوماً مصارفنا ثقتهم. وكانت مصارفنا دوماً أهلاً لهذه الثقة.

ليست هناك تعليقات:


CNNArabic.com - Business