الاثنين، ٩ فبراير ٢٠٠٩

في قضية الملياردير البوشي .."الطمع" و"سعر الفائدة" و"التضخم" في قفص الاتهام

في قضية الملياردير البوشي .."الطمع" و"سعر الفائدة" و"التضخم" في قفص الاتهام
إتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري
9/2/2009

تحقيق: ياسمين سنبل
عادت قضايا شركات توظيف الاموال لتطفو على السطح من جديد مع تفجر قضية الملياردير المصري نبيل البوشي مالك شركة "أوبتيما جلوبال هولدنج لتداول الأوراق المالية" المتهم بالاستيلاء على أموال بلغت أكثر من 37 مليون دولار بزعم توظيفها واستثمارها فى نشاط تجارة الأوراق المالية مقابل عائد شهرى بدا خياليا مقارنة بمجالات الاستثمار العديدة.
ولم يكن ضحايا البوشي من البسطاء فقط ولكنهم رجال اعمال مصريون وإمارتيون وفنانون ورياضيون، والسؤال الذي يتكرر مع كل قضية نصب في مجال توظيف الاموال .. لماذا لم يتعلم المودعون من الدرس السابق؟
قال محسن الخضيري الخبير المصرفي ان الناس يتجهوا الى شركات توظيف الاموال بالرغم من المخاطر التي تشوبها باحثين عن العائد المرتفع الذي يصل الى 40% في مقابل البنوك مثلا تعطي 10%.
اما د.جوده عبدالخالق أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، فقد ارجع عودة ظاهرة شركات توظيف الاموال الى عدة اسباب اهمها ارتفاع معدل التضخم كثيرا عن سعر الفائدة في البنوك لذا فتوظيف الاموال في البنوك اصبح خسارة، فضلا عن الانهيار الذي حدث في البورصة بعد الازمة المالية العالمية الاخيرة.
واشار الى اختلاف قضية البوشي عن غيرها من قضايا توظيف الاموال، لان الضحايا هنا من رجال الأعمال، وفسر استثمارهم في شركة لتوظيف الاموال بالجشع والرغبة في تنويع مجالات الاستثمار ، واتهم اغلب رجال الاعمال بانهم لم يحصلوا على اموالهم بطرق مشروعه ولذلك لايتوخون الحذر في طرق استثمارها.
اما احمد رشدي المدير السابق للبنك الاهلي فارجع الظاهرة الى "الطمع"، وقال ان اغلب الظن ان هؤلاء الضحايا في هذه القضية "مش تعبانين في الفلوس".
واضاف ان الذين يفضلون شركات توظيف الاموال ينقصهم التفكير السليم فيتركو الطرق المشروعة للاستثمار التي تأتي بعوائد مقبوله كالتجارة والاسهم في البورصة ويذهبوا للطرق غير المشروعه التي تقدم عوائد خيالية وغير منطقيه.
مصرفي سابق: أذكياء يستغلون أغبياء
ووصف رشدي البوشي ومن سبقوه في مجال توظيف الاموال بانهم اشخاص اذكياء يستغلون غباء الاخرين، واستشهد باشرف سعد حين قال في اتصال تليفوني من لندن في احد البرامج التليفزيونية "ان الناس اغبياء وانا ضحكت عليهم"، ورغم ذلك مازال الكثيرون يلهثون وراء هذه النوعية من الشركات.
واتفق محمود شعبان رئيس مجلس ادارة احدى شركات السمسرة مع احمد رشدى في ان الطمع هو السبب الرئيسي وراء وقوع الناس فريسة في ايدي النصابين من هذا النوع.
وأوضح انه في السابق كان الاعتقاد السائد ان شركات توظيف الاموال تقوم على افراد من انصاف المتعلمين او الذين لا يوجد لديهم خبره كافية، الا ان الوضع اختلف في قضية نبيل البوشي حيث وجدنا رجال اعمال كبار بالسوق يعرفون تماما كيف يستثمرون اموالهم لذلك لا يوجد تفسير اخر لوقوعهم فريسة للنصب إلا الطمع.
واستطرد قائلا، ان لمصر تجربة مريرة مع شركات توظيف الاموال في الثمانينات، ثم في العاميين السابقين راينا توظيف اموال في شركات لكروت شحن المحمول وشركات السيارات، وطالب بضرورة وجود جرعة كبيرة من التوعية لكن ذلك لن يقضي على غريزة الطمع.
وبسؤاله هل ستؤثر قضية البوشي في ثقة الافراد بشركات تداول الاوراق المالية قال محمود شعبان ان هناك رقابة صارمة من قبل الهيئة العامة لسوق المال على هذه الشركات، ولا يعتقد ان منها شركات تنتهي توظيف الاموال مثلما فعل البوشي.
واضاف ان الترخيص الصادر لشركات السمسرة ينص على ان العميل هو المسئول عن اخذ قرار البيع والشراء، ويجب على الشركة توعية المتعاملين بعدم يترك احد ياخذ القرار نيابة عنه، كما انه المتحمل للارباح والخسائر.
وعلى ادارة الشركة - يستكمل محمود شعبان - ان تستوضح بعض البيانات من العميل عند التعاقد منها حجم الاموال الذي يريد استثمارها، وهل هو مستثمر قصير الاجل ام طويل الاجل، هل هو مستثمر مخاطر ام لا وهل عنده خبره ام لا واذا كان لا يوجد لديه خبره في الاستثمار فيوجه الى صناديق الاستثمار او لشركات ادارة المخاطر.
الأفراد "يهربون" من رقابة الدولة:
وبالرغم من أن هيئة سوق المال أصدرت القانون 92 لسنة 95 والخاص بعمل صناديق الاستثمار كبديل لشركات التوظيف، الا انه لا يوجد شركة واحدة مسجلة حتى الان، وهو ما ارجعه محسن الخضيري الخبير المصرفي الى ميل الافراد للإبتعاد عن رقابة الدولة ولذلك تنتشر هذه النوعية من الشركات.
ومن جانبه، يرى احمد رشدي المدير السابق للبنك الاهلي انه من الطبيعي ان يوجد مخالفين فهناك قانون مرور ورغم ذلك البعض يخالفه ولا يلتزم به ولكن اذا قبض على احد هؤلاء سوف تنفذ فيه العقوبة بصرامة، مؤكدا على ان الحكومة غير مسؤوله عن هؤلاء النصابين.
اما د. جودة عبد الخالق فيرى ان السبب الجوهري ان القوانين تصدر ولا تطبق لعدم وجود اليه لتطبيقها فمثلا قانون المرور الجديد ينص على ان استخدام اله التنبيه يعرض صاحبه الى مخالف الا ان الضجيج يزداد لان الاحكام القضائية لا تنفذ مما اشاع ثقافة احتقار القانون في المجتمع.
واشار د. عبد الخالق الى ضرورة تعاون الجميع مع السلطات لطبيق القانون، ففي حالة شركات توظيف الاموال بعض الافراد يجدو مصلحتهم مع هذه الشركات فلا يلجأوا الى السلطات الا بعد ان تقع الكارثة وتتبخر اموالهم.
التاريخ الأسود لشركات توظيف الأموال:
وكانت شركات توظيف الأموال التي ظهرت في مصر مع انتصاف ثمانينات القرن العشرين - واشهرها على الاطلاق "الريان"، "السعد " الهدى"، "الشريف"و"الهلال" قد جذبت مئات آلالاف من المصريين الذين وثقوا بتلك الشركات التي كانت تصرف عوائد شهرية مغرية ووضعوا فيها كل مدخراتهم ليستيقظوا من حلم الثراء السريع إلي كابوس الإفلاس والمصادرة ومطاردة تلك الشركات.
فبالنسبة للريان فقد حكم عليه بالسجن لاستيلائه وبقية اشقائه على أموال المودعين، البالغ عددهم 159670 مودعاً ومجموع ايداعاتهم 3 مليارات و381 مليون جنيه والمضاربة بها في البورصات العالمية، كما قاموا بتحويل جزء كبير منها إلى الولايات المتحدة والبنوك الأجنبية.
أما أشرف السعد رئيس مجموعة "السعد للاستثمار" فقد وصلت قيمة الأموال التي يديرها إلي حوالي مليار جنيه، وفي فبراير /شباط 1991 بدأت رحلته الأولي مع الهرب حيث سافر إلي باريس بحجة العلاج وبعد هروبه بثلاثة أشهر صدر قرار بوضع اسمه علي قوائم الممنوعين من السفر، وحكم عليه بالسجن لمدة سنتين بتهمة إصدار شيك بدون رصيد.
وفي يناير/ كانون الثاني 1993 عاد أشرف السعد الى مصر حيث تمت إحالته إلي محكمة الجنايات لعدم إعادته 188 مليون جنيه للمودعين بالإضافة الي 8 اتهامات أخري، وفي نهاية العام نفسه أخلي سبيله بكفالة قدرها 50 ألف جنيه وتم تشكيل لجنة لفحص أعماله المالية إلا أنه سافر مرة أخري للعلاج في باريس في 4 يوينو/حزيران 1995 ولم يعد حتي الآن.
اما شركة الهلال فهي ثالث أكبر الشركات التي تم القبض على رئيس مجلس ادارتها محمد كمال عبد الهادي لعجزه عن سداد 950 مليون جنيه للمودعين في 19 شركة كان يمتلكها، وكان بها 20003 مودع طبقاً لتقرير لجان الجرد التي شكلتها النيابة والمحاسب القانوني الذي أكد ان عدد الذين تم سداد ايداعاتهم بالكامل ورد أموالهم 1583 مودعاً ممن لا تتجاوز ايداعات كل منهم مبلغ 125 ألف جنيه.
شركة "الشريف" التي تحتل نصيب الأسد هي والريان، التي تم بيعها عام 98 للمهندس علاء السيد وليلى الفار من خلال تفويض للنائب العام، ولكن الادارة الخاصة بها اقترضت من البنوك 67 مليون جنيه بدون ضمانات، فتم التحقيق معهما وأحيلت ليلى الفار وشقيقها للمحاكمة الجنائية وتم فرض التحفظ على هذه الشركات.
وفي عام 2006 تم توقيع بروتوكول تعاون بين البنك المركزي المصري والنائب العام لسداد باقي مستحقات مودعي تلك الشركات، واعلان منافذ صرف المستحقات، وهي البنك الاهلي الذي سيصرف مستحقات مودعي شركة الريان، وبنك مصر الذي سيصرف مستحقات مودعي شركات الشريف والهلال.

ليست هناك تعليقات:


CNNArabic.com - Business